د. فارس قبلاوي
2024
للاختبارات دور مهمّ وحاسم في كثير من المجالات، ونحن، أفرادًا ومؤسّسات، نصطدم بها في كثير من منعطفات الحياة، وتؤثّر فينا بأشكال ودرجات متفاوتة، فهناك الاختبارات المدرسيّة والمعياريّة واختبارات للسّياقة النّظريّة والعمليّة، واختبارات مزاولة المهنة في كثير من المهن، واختبارات التّرقية في العمل، واختبارات الهجرة، واختبارات المسابقات المتنوّعة، إضافة إلى اختبارات كثيرة أخرى في مجالات عديدة، وبنظرة دينيّة للحياة، يمكن عدُّها اختبارًا واحدًا كبيرًا للأفراد.
لكنّ أوّل ما يتبادر إلى الذّهن عند سماع كلمة الاختباراتِ الاختباراتُ الّتي تجرى للطّلّاب، الّتي تقسم بالعادة إلى قسمين أساسيّين: اختبارات مدرسيّة تحصيليّة، واختبارات معياريّة. يُجري المعلّمون عادةً الاختبارات التّحصيليّة، ويكونون مسؤولين عن فحواها، ومبناها، وطريقة تمريرها، وتدقيقها. أمّا الاختبارات المعياريّة (مثل الاختبارات السيكومتريّة والاختبارات الوزاريّة)، فتُجريها مؤسّسات خارج المدرسة، ولا يكون للمعلّمين سيطرة على مبناها، أو فحواها، أو طريقة تمريرها وتقييمها، وبذلك تختلف كثيرًا في تأثيراتها في عمليّتي التّعليم والتّعلّم مع وجود تشابهات بينها أحيانًا. تتطرّق هذه المقالة بالأساس إلى الاختبارات المدرسيّة التّحصيليّة، وسيكون هناك تطرّق إلى الاختبارات المعياريّة عند مناقشة بعض النّقاط ذات الصّلة.
في المجال التّعليميّ، تشكّل الاختبارات جزءًا لا يتجزّأ من أيّ عمليّة تربويّة رسميّة، ويمرّ الطّلّاب في كثير من المدارس حول العالم، إن لم يكن في معظمها، بتجربة الاختبارات بدءًا من جيل مبكّر جدًّا (من الصّفّ الأوّل أحيانًا). وقد بيّنت دراسات كثيرة على مدى عقود مختلفة أنّ للاختبارات تأثيرًا كبيرًا في كلّ الفاعلين في العمليّة التّربويّة، سواء على مستوى الطّلّاب أنفسهم، أو المعلّمين والإداريّين، أو الأهل، أو فاعلين آخرين في العمليّة التّربويّة. وقد اصطلح –في العادة- على إطلاق مصطلح “التّأثير الرّجعيّ” أو “الانعكاسيّة” (Backwash or Washback Effect) على كيفيّة تأثير الاختبارات في عمليّتي التّعليم والتّعلّم على المستوى الصّغير-مايكرو (Micro Level)، في حين يُستعمل عادةً مصطلح (Test Impact)، الّذي يمكن ترجمته إلى “نفوذ الاختبارات” أو “سطوة الاختبارات”، للدّلالة على تأثير الاختبارات في المنظومات الأكبر المتعلّقة بالعمليّة التّعليميّة (Macro Level)، وفي الأفراد من غير المعلّمين والطّلّاب، مثل المدرسة ككلّ، أو السّلطة المحلّيّة، أو حتّى سياسات الوزارة المتعلّقة بالمنهاج وطرق التّقييم، أو العاملين في الوزارة من مفتّشين ومرشدين وإداريّين، أو حتّى السّياسة المحلّيّة أو الوطنيّة بدافع تعزيز لغة معيّنة أو موضوع معيّن، والدّفع لإعطائه أهمّيّة خاصّة. ويكون هذا النّوع من الاختبارات إجمالًا من نوع الاختبارات المعياريّة الّتي تُنظّم وتُنفَّذ من جهات غير المعلّمين.
وبالتّركيز على التّأثير الرّجعيّ للاختبارات على عمليتّي التعلّم والتّعليم، وهو ما يهمّ هذه المقالة، فيمكننا أن نشير إلى أنّ أبعاد هذا التّأثير في عمليّتي التّعليم والتّعلّم قد تكون في مستويات عديدة، وبدرجات متفاوتة من القوّة. وأوّل هذه التّأثيرات وأهمّها قد يكون ذلك المتعلّق بالطّلّاب؛ لأنّهم الشّريحة المستهدَفة في الاختبارات، فقد تحمل تأثيرات الاختبارات تبعات خطيرة جدًّا على صحّة الطّلّاب النّفسيّة والجسديّة، خاصّة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار موضوعي الخوف من الاختبارات Test Anxiety، والضّغط النّاتج عن الاختبارات (stress)، اللّذان يؤثّران بدرجات متفاوتة في نسبة معتبرة من الطّلّاب، ويشوّشان كثيرًا على عمليّة تعلّمهم. وأيضًا تؤثّر الاختبارات في تركيز الطّلّاب الّذي سيكون منصبًّا على الموادّ والمهارات الّتي ستظهر في الاختبارات، وستُهمل بذلك الموادّ والمهارات الّتي لا تقيسها الاختبارات، زد على ذلك نفور الطّلّاب المحتمل من الموضوعات الّتي يستصعبون اجتياز الاختبارات فيها. وقد تؤثّر التّحدّيات الّتي يواجهها الطّلّاب في الاختبارات سلبًا في دافعيّتهم؛ لأنّ الاختبارات دافعٌ خارجيٌّ (extrinsic motive)، ولا تحفّز على التّعليم الوجدانيّ النّابع من حبّ المعرفة وتوسيع الآفاق وإشباع الفضول (intrinsic motive)، وهنا يمكن الإشارة إلى التّفريق بين هدف التّعليم الرّامي إلى تذويت المعرفة (being smart) والتّعليم الرّامي إلى إظهار المعرفة (looking smart)؛ ففي الأوّل، يكون التّعليم من أجل زيادة المعرفة، والتّمكّن من الفحوى والمهارات، بينما يكون الهدف في الثّاني النّجاح في الاختبارات من أجل الحصول على علامة مرضية أو التّأهّل لمرحلة تعليميّة أو مهنيّة تالية، ويُنسى في كثير من الأحيان ما تُعلِّم سريعًا.
وقد تتسبّب نتائج الاختبارات الّتي لا تلائم توقّعات الطّلّاب من أنفسهم أو توقّعات الآخرين منهم في تفاقم نظرتهم السّلبيّة لأنفسهم ولنجاعتهم وكفاءتهم. وللاختبارات –خاصّة ذات الإسهام الكبير (High Stakes Tests)، مثل اختبارات المرحلة التّوجيهيّة، والامتحان السّيكومتريّ، واختبارات اللّغات الأجنبيّة المعياريّة- تأثير كبير في مستقبل الطّلّاب، وفي الموضوعات الّتي يمكنهم تعلّمها مستقبلًا، والمهن الّتي يمكنهم مزاولتها؛ لذا قد تكون نتائج الاختبارات، حتّى المدرسيّة منها، ذات تأثير حاسم في مسار حياة الطّلّاب المهنيّ والشّخصيّ؛ فكثيرًا ما يُحرم الطّالب من تعلّم الموضوعات الّتي يرغب بها نتيجة الاختبارات غير الكافية للالتحاق بالموضوع الّذي يريده (مثل التّخصّصات المدرسيّة من علميّ وأدبيّ) أو بعد إنهاء المرحلة الثّانويّة.
وللاختبارات تأثير حاسم أيضًا في عمل المعلّمين وأدائهم؛ إذ يمكن لها أن تحدّد ما يعلّمه المعلّمون، وطريقة التّعليم، وطريقة التّقييم، والوقت والجهد المبذولين من قبل المعلّمين لتعليم جوانب المنهاج المختلفة. وفي كثير من الأحيان، تكون الاختبارات البوصلة الّتي تحدّد للمعلّمين ما عليهم فعله أو عدم فعله، وتشكّل الاعتبار الأساسيّ لأيّ قرارات تخصّ عمليّة التّعليم. ولتقريب الأمر، يمكننا أن نرى كيف يتصرّف المعلّمون حين ترتبط عمليّة التّقييم بالاختبارات، خاصّة الاختبارات الخارجيّة الّتي لا سيطرة للمعلّمين عليها، الّتي تنظّمها جهات خارج سيطرتهم، مثل إدارة المدرسة، أو التّفتيش، أو الوزارة، أو أيّ جهة أخرى؛ إذ يكون تفكير المعلّم في هذه الحالة وجلّ جهده -إن لم يكن كلّه- منصبًّا على تجهيز طلّابه للاختبارات، فيكون التّعليم بمعظمه وجاهيًّا، ومقتصرًا فقط على الموادّ المطلوبة للاختبار، مع إجراء تدريبات مكثّفة كلّما اقترب موعد الاختبارات، وفي حالات عديدة تصبح الموادّ المطلوبة للاختبارات المنهاجَ الفعليّ، ويُهمل المنهاج الرّسميّ، خاصّة إذا لم يكن هناك تطابق بين الموادّ المطلوبة في المنهاج الرّسميّ وتلك المطلوبة للاختبار، ويخصّص الإداريّون والمسؤولون أيضًا ساعات إضافيّة للموضوع الّذي يجرى فيه اختبار على حساب السّاعات المخصّصة لموضوعات أخرى، وربّما تكون هناك أيّام تدريب مكثّفة على حساب أيّام العطل المدرسيّة.
ولنا أن نتخيّل التّأثيرات البعيدة للاختبارات في صحّة المعلّم النّفسيّة والجسديّة، فعمليّة كتابة اختبارات جيّدة ليست بالأمر السهل؛ إذ إنّ كتابة الأسئلة ومراجعتها والتّأكّد من إجاباتها ومطابقتها للموادّ المطلوبة يأخذ وقتًا طويلًا، وتُجهِد المعلّم كثيرًا، وأيضًا فإنّ القلق من تحصيل الطّلّاب ونتائجهم يؤرّق المعلّمين؛ إذ تشكّل تلك النّتائج اختبارًا لنجاعة عمليّة التّعليم وقدرة المعلّمين على تمرير الموادّ ذات الصّلة إلى طلّابهم، وقد تؤثّر في أحايين كثيرة في تقدّم المعلّمين المهنيّ، ونظرة الإداريّين والزّملاء والطّلّاب والأهالي له، فيمكننا أن نتصوّر -مثلًا- ما يمكن أن يؤول إليه مصير معلّم يخفق طلّابه في الاختبارات الثانويّة العامّة أو لا يحقّقون النّتائج المتوقّعة. وبناء على هذا كلّه، للاختبارات تأثيرات بعيدة في دافعيّة المعلّمين وتقييمهم ونظرتهم لأنفسهم ولكفاءاتهم، وقد تؤدّي إلى تآكل المعلّمين (teacher burnout) وضمور رغبتهم في الاستمرار في ممارسة مهنة التّعليم.
أمّا بخصوص الأهل، فيمكن الإشارة إلى أنّ للاختبارات تأثيرًا كبيرًا في سيرورة الحياة العائليّة، ففي فترة الاختبارات مثلًا، يمتنع كثير من الأهل عن الزّيارات العائليّة وحضور المناسبات، ويُطلب من كثير من الأهل تكريس أوقات طويلة للمراجعة للاختبارات، خاصّةً إن كان الطّلّاب في المرحلة الابتدائيّة. إضافة إلى ذلك، قد تسبّب الاختبارات ضغطًا نفسيًّا إضافيًّا على الأهل نابعًا من القلق بخصوص نتائج الاختبارات، وقد تتوتّر أحيانًا العلاقات بين الأهل والأبناء بسبب مراقبة الأهل لأوقات أبنائهم، وتحديد فترات للاستعداد للاختبارات، وعدم مناسبة طريقة مذاكرة الأبناء مع أفكار الأهل حول أنسب الطّرق للمذاكرة، أو بسبب وجود توقّعات مختلفة للنّتائج المرجوّة. وبدلًا من أن تسهم عمليّة مساعدة الأهل للأبناء في تقريب العلاقة بين الطّرفين، فقد تؤدّي إلى نفورٍ وشقاقٍ في حالات معيّنة.
هل من تأثير إيجابيّ للاختبارات؟
لا يعني السّرد في الأعلى أنّه لا مزايا للاختبارات تفيد الفاعلين في العمليّة التّربويّة، بل قد تكون لها فوائد متعدّدة شريطة كتابَتها بطريقة مهنيّة، والمحافظة على معايير الثّبات والمصداقيّة، وتمحورها حول الأهداف التّربويّة المرجوّة والمنهاج المقرّر. ويمكننا أن نلخصّ جملة من مزايا الاختبارات ذات التّأثير الإيجابيّ (positive backwash) في عمليّة التّعليم والتّعلّم، وفي جوانب أخرى داخل نطاق المدرسة وخارجها في مستويات الماكرو والمايكرو.
بدايةً، تقدّم الاختبارات تغذية مرتدّة –سريعة في معظم الأحيان- لمدى تحقّق الأهداف التّعليميّة، خاصّةً عندما يتعلّق الأمر بكمٍّ كبيرٍ من الطّلّاب الّذين لا يمكن اختبارهم بطرق تقييم بديلة تتطلّب وقتًا كبيرًا في تدقيقها، وتتمتّع الاختبارات بمصداقيّة وثبات أكثر ممّا تتمتّع به طرق التّقييم البديلة (بسبب المصداقية والثبات الأعلى في تدقيقها)، لذا يمكن للاختبارات أن توفّر الكثير من الجهد والوقت المطلوبين لتقييم أعداد كبيرة من الطّلّاب، وأيضًا فإنّها تشكّل في الوقت ذاته طريقة موضوعيّة أكثر للتّقييم في نظر الكثيرين؛ لأنّ الطّلّاب يُمتحنون تحت الظّروف نفسها في العادة، وهذا ما يخلق أيضًا شعورًا بالعدل (مع تحفّظات كثيرة على ذلك) عند كثير من الفاعلين في العمليّة التّعليميّة. وأيضًا فإنّ من السّهل جدًّا في الاختبارات مقارنةُ نتائج الطّلّاب ببعضها، ونتائج الطّالب ذاته الحاليّة مع نتائج سابقة أو مستقبليّة، وتسهُل معرفة مدى تقدّم الطّالب في تذويت الفحوى أو المهارة.
وكما أنّ كثيرًا من الفحوى أو المهارات تُهمل من قبل المعلّمين والطلّاب إن لم تكن ضمن المطلوب في الاختبار، فإنّ إضافة فحوى أو مهارة معيّنة إلى الموضوعات المطلوبة للاختبارات يمكنها أن تكون ذات أثر رجعيّ إيجابيّ لأنّها تشجّع الفاعلين على الاهتمام بها؛ فعادةً ما يكون أحد أسئلة الطّلّاب الشّائعة الموجَّهة للمعلّم عند تعلّم فحوى أو مهارة معيّنة: “هل ستكون هذه ضمن المطلوب للاختبار؟”، فإن كانت كذلك، فسيهتمّ بها الطّلّاب، ويحاولون تذويتها، وإنْ لم تكن، فستُهمل على الأرجح، وكذا الأمر بالنّسبة إلى المعلّمين؛ فإنّهم يهملون -في العادة- جوانب المنهاج غير المطلوبة للاختبارات، ويكون تركيزهم منصبًّا على المطلوب، وللتّدليل على ذلك يمكن الإشارة إلى ما حدث لتعليم مهارات الكتابة عندما أصبحت جزءًا من اختبارات اللّغة الإنجليزيّة التّوجيهيّة، فبعد أن كانت المهارة مهملة (مع أنّها ضمن المنهاج) في بعض المستويات (المتوسّط والمبتدئ)، أصبحت تتمتّع باهتمام أكبر من قبل الطّلّاب والمعلّمين، وهذا بالطّبع مثال واضح على التّأثير الإيجابيّ للاختبارات، ويمكن ضرب أمثلة شبيهة كثيرة.
تساعد الاختبارات أيضًا على قياس درجات مختلفة من المعرفة والتّمكّن، فيمكن تضمين أسئلة ذات مستويات مختلفة تعكس قدرات الطّلّاب المختلفة. وتمكّن الاختبارات أيضًا من قياس مهارات مختلفة في وقت قصير، وقياس مهارات متداخلة، فعلى سبيل المثال، يمكن لاختبار الكتابة أن يقيس -في الوقت ذاته- معلومات الطّالب في النّحو والصّرف، وثروتَه اللّغويّة، وتمكُّنَه من استعمال علامات التّرقيم، وقدرته على طرح الأفكار بوضوح وربطها معًا أو نقدها ومقارنتها بأفكار أخرى، إضافة إلى مهارات كثيرة أخرى لا يمكن حصرها هنا.
ومع أنّ الاختبارات حافزٌ خارجيٌّ، إلّا إنّها فرصة هامّة للطّلّاب لتطوير مهارات شخصيّة وتعليميّة ونفسيّة مختلفة إن مُنحوا فرصة حقيقيّة وشرحًا وتدريبًا على كيفيّة تطوير هذه المهارات ونصائحَ تصبّ في هذا الهدف، فعلى صعيد المهارات الشّخصيّة، يتطلّب الاستعداد الجيّد للاختبارات اعتمادًا كبيرًا على الذّات؛ لأنّ الاستعداد للاختبارات ذاتيّ في العادة، ويتطلّب تطويرَ القدرة على ضبط النّفس والتّحكّم بالوقت والجهد المطلوبين للتّعليم ضمن ما يُعرف بمهارات التّعلّم المنظّم ذاتيًّا (self-regulated learning)، فعلى الطّالب -مثلًا- تطوير مهارة تنظيم الوقت، ووضع الأهداف، وتحفيز الذّات، ووضع الخطط وتنفيذها، وتقييم نتيجة العمل، والتّحقّق من تحقيق الأهداف والقدرة على تعديل الأهداف والخطط بحسب الحاجة، وهي مهارات تفكير فوق إدراكيّة (meta-cognitive). وتشكّل الاختبارات أيضًا فرصة لتطوير مهارة الدّراسة تحت ضغط، والقدرة على التّواصل مع الآخرين حين الحاجة إلى مساعدة.
أمّا في الجانب التّعليمي، فيشكّل الاستعداد للاختبارات فرصةً لتطوير استراتيجيّات الدّراسة، خاصّة المتعلّقة بالجوانب الإدراكيّة، مثل قدرات الاستذكار، والفهم، والتحليل، وربط المعلومات معًا، وحفظها لمدّة طويلة. وتساعد الدّراسة للاختبارات أيضًا في معرفة جوانب الموضوع المختلفة، وتوقّع الأسئلة الممكنة، والتمكّن الجيّد من الفحوى بسبب التّمرّن المكثّف، وحصر الجوانب الّتي تحتاج إلى دراسة وتذويت أكثر، فكثيرًا ما يحدث معنا أن نظنّ أنّنا نعرف جانبًا معيّنًا، ثمّ يتبيّن لنا عند سؤالنا عنه أنّ تمكّننا منه ضعيف أو غير كافٍ. وتساعد الاختبارات كثيرًا أيضًا في الانتباه لجزيئيّات وجوانب معيّنة من الفحوى؛ لأنّ الطالب –بحسب نوع الاختبار والمطلوب منه– قد يضطرّ إلى التنبّه لموضوعات فرعيّة وجزيئيّات هامّة لا ينتبه إليها بالعادة أو لا يُركَّز عليها كثيرًا وقت التّعليم. إضافة إلى ذلك، ولأنّ الاختبارات تتطلّب في العادة دراسة ذاتيّة، فإنّها تشكّل فرصة لتطوير مهارات التّعلّم الذّاتيّ، خاصّة عند الحاجة إلى إعادة فهم موادّ نسيها الطّالب أو موضوعات لم يفهمها من قبل. وأيضًا تشكّل الدّراسة للاختبارات في مجموعات فرصةً هامّة للطّلّاب للتّواصل فيما بينهم، وتعلُّمِ مهارات التّعليم والشّرح، وفهمِ الفحوى أكثر؛ لأنّ تعليم الآخرين والشّرح لهم أحد الطّرق الموثوقة لفهمٍ أكبر للفحوى، إلى جانب ذلك، فإنّ الدّراسة في مجموعات تساعد في النّظر إلى جوانب مختلفة للفحوى بسبب النّقاشات المثرية بين الطّلّاب.
وفي الجانب النّفسيّ والشّعوريّ، وهنا يجب الانتباه كثيرًا، ومن المهمّ إعداد الطّلّاب لذلك جيّدًا، يحصل الطّلّاب على فرصة حقيقيّة للتّعامل مع الإخفاقات والتّوتّرات الّتي قد تسبّبها الاختبارات والخوف المرتبط بأدائها، وهناك -لحسن الحظّ- استراتيجيّات مختلفة يمكنها أن تساعد الطّلّاب على تجاوز مثل هذه التّحدّيات بأقلّ الأضرار، ويساعد التّعامل مع النّجاحات والمحافظة عليها في تطوير مهارات نفسيّة مختلفة، مثل المتابعة والمداومة على تطوير واتّباع الاستراتيجيّات الّتي تقود الطّلّاب إلى النّجاح، وعدم الرّكون والاستهتار.
ملاحظات ختاميّة
يمكن القول إنّ للاختبارات -كأيّ أداة تقييم أخرى– جوانبها الإيجابيّة والسّلبيّة، مع التّشديد الكبير على ضرورة الانتباه لطريقة استعمالها؛ لأنّ لها تأثيرات حاسمة في عمليّتي التّعليم والتّعلّم، فعلى كلّ معلّم أن يكون مطّلعًا على دقائق بناء الاختبارات، فبناؤها يحتاج إلى كثير من الانتباه والدّقّة، ويتطوّر مع زيادة خبرة المعلّم. وهناك اعتبارات هامّة يجب أن تُؤخذ بالحسبان عند بناء الاختبارات، ومنها ضرورة تحديد الهدف منها، ووزنها مقابل طرق تقييم بديلة أخرى، والموادّ والمهارات الّتي تقيسها، ومصداقيّتها وثباتها، ومدّتها، وطريقة بنائها، ونوعيّة الأسئلة الّتي تشملها، ومراجعتها، وجودة تنسيقها وطباعتها، وظروف تمريرها، وطريقة تدقيقها، وتحليل نتائجها إحصائيًّا، والاستفادة من ذلك لتحسينها مستقبلًا، وقد فَصّلت جوانب من ذلك في مقالات وإرشادات أخرى يمكن الاطّلاع عليها في منشورات أخرى.